سلسلة التعريف بمباحث الفلسفة الدرس الثلاثون والأخير: قيمة الخير
- المسائل المنطقية (قيمة الحق): حق وباطل.- المسائل الأخلاقية (قيمة الخير): خير وشر.
- هناك مذهبان في درس المسائل الأخلاقية:
1. الحدسيَّة (الحدسيون).
2. الغائيَّة (التجريبيون الماديون).
- الحدسيون: هم موضوعيون. يرون أن الأشياء تحمل في ذاتها ما يجعلها خيراً أو شراً. بغض النظر عنا. وهم لا يهتمون بنتائج الأفعال، بل ببواعث الأفعال.
- الغائيون: هم ذاتيون. يرون أن الأشياء لا تحتوي على ما يجعلها خيراً أو شراً. بل نحن البشر من نخلع عليها هذه الصفات. وهم يهتمون بغايات الأفعال (نتائجها.) لذلك، تختلف عندهم القيم الأخلاقية من زمان إلى زمان لاختلاف الغايات.
- بهذا يكون الحدسيون إطلاقيون. والغائيون نسبيون.
- سؤال: هذه المعايير التي تحدد خيرية أو شرية الفعل، هل هي خارج طبيعة العقل أم
مأخوذة من طبيعة العقل؟
طبعاً، خارج طبيعة العقل لا تعني خارج قدرة العقل على إدراكها. بل تعني أنها مستقلة عن العقل (موضوعية) سواء أدركناها أم لا.
- في الإجابة على هذا السؤال، ضمن التاريخ الإسلامي، هناك مذهبان:
1. المعتزلة: العقل يستطيع معرفة الخير والشر وحده (التحسين والتقبيح العقليين).
2. الأشاعرة: العقل لا يستقل بتمييز الشر والخير، بل يستند لنص الشريعة (التحسين والتقبيح الشرعيين). ولكن، كلاهما متفقان على موضوعية الخير والشر.
- المعتزلة عندهم جراءة في بعض مسائلهم. فهم يقولون أن الخير والشر موضوعيان وحتى الله لا يمكنه أن يغيرهما! (ثبات الحقائق الأخلاقية).
- سؤال: هل الله أمر بالأشياء لأنها خير؟ أم أنها خير لأن الله أمر بها؟ المعتزلة يعتبرون الأولى هي الصحيحة. والأشاعرة يعتبرون الثانية هي الصحيحة.
- الغائيون: هم كل الفلاسفة الأخلاقيين التجريبيين. هم يهتمون بمقصد الفعل.
- تحت المذهب الغائي، هناك أربع اتجاهات:
1. مذهب اللذة: يرى أن اللذة (بمعناها الأعم، وليس الشهوة الجسدية فقط) هي مقياس
الخيرية والشرية. هناك لذائذيون زاهدون، مثل أبيقور. ذلك لأن اللذة لا تقتصر على الشهوانية. بل تتعداها إلى اللذة الروحية والزهد. هناك مذهب كان اسمه "القورنياني" في بنغازي – ليبيا. وهو مذهب لذة. وهناك مذهب اسمه "مذهب المنفعة العامة" وهو يندرج تحت مذهب اللذة. من رموزه جيمس ستيوارت ميل. وهو يقول أن الخير هو ما حقق أكبر نفع لأكبر عدد من الناس أو لذة أكبر لأكبر عدد من الناس.
2. مذهب الطاقة الحيوي: وهو قسمان:
- مذهب الطاقة الغيري: وقد تعاطف معه أرسطو وسقراط. وهو يقول بأن العمل يكون في مراعاة تنمية قدرات وحاجات الإنسان من حيثية ارتباطها بالمجتمع، لا الفرد.
- مذهب الطاقة الأناني: وهو لا يعبأ بالمجتمع. إنما يركز على تنمية الفرد. وقد مثَّل هذا
المذهب في العصر الحديث: نيتشه.
3. مذهب دعاة الخير الأقصى: الخير الأقصى هو الذي لا يُطلَب خير بعده. وقد اختُلف في تحديده. الثلاثة الكبار (سقراط، أفلاطون، أرسطو) كانوا من دعاة الخير الأقصى. وثلاثتهم اتفقوا على أن الخير الأقصى هو السعادة.
4. مذهب داعاة التَنَسك والزهد: هذا المذهب هو طريقة سلبية في تحديد الخير. فهو يقول
أن الخير لا يُتَحصل عليه عبر كسب أشياء كثيرة، إنما عبر ترك أشياء كثيرة. البوذية، والهندوسية، وبعض الصوفية الغربية والإسلامية تعترف بهذا المذهب. هناك مذهب اسمه "الكلبيَّة" وهو يندرج تحت مذهب النُّساك. ومن أشهر أعلامه: ديوجين. وهو معاصر لأرسطو والإسكندر. وكان أرسطو يتقزز منه ومن طريقة حياته! فهو اشتُهر
بالبرميل الذي كان ينام فيه.
- لو استثنينا الميتافيزيقا، لوجدنا أنهُ ليس في مباحث الفلسفة مبحث جر إليه الخلاف مثل علم الأخلاق.
- سؤال: هل علم الأخلاق وضعي؟ أم معياري؟
العلم الوضعي: هو الذي يدرس الأشياء كما هي. مثل علم النفس.
العلم المعياري: هو الذي يدرس ما ينبغي أن يكون (كيف يجب أن نعيش ونكون). مثل علم الأخلاق. إذاً، علم الأخلاقي معياري.
- على كل حال، كل علم قد يكون في جزء منه وضعي، وفي جزء آخر معياري. مثل: علم النفس (وضعي) وعلم النفس العلاجي (معياري).
- تختلف طريقة بحث مسائل علم الأخلاق بين العقليين والماديين الحسيين:
- العقليون (الحدسيون): موضوعيون. يستخدمون المنهج الاستنباطي. ويبدؤون بالكلي المطلق، وينتهون بالجزئي.
- الماديون الحسيون (الطبيعيون): ذاتيون. يستخدمون الطريقة الاستقرائية. ويستقرؤون الواقِع ليستخرجوا منه أحكاماً. فلا توجد مبادىء مطلقة ثابتة.
- طريقة علماء النفس في دراسة الأخلاق هي طريقة استقرائية.
مثلا: يفسر علماء النفس الضمير على أنه جهاز رمزي يتكون عبر الاوامر والنواهي والعادات التي يتلقاها الطفل في صغره. إضافةً إلى ما يمر به الطفل من تجارب سيئة وحسنة. التجارب السيئة يحصل لها كبت في اللاشعور، وهي توجهنا من طرف خفي. لذلك الضمير ليس مطلقاً ويختلف من شخص لآخر.
- في علم الاجتماع، يتبعون نفس الطريقة، فالأخلاق عندهم هي بنت المجتمع. فلا بد للإنسان أن يوافق المجموع بقضايا الخير والشر وإلا فلن يعيش معهم.
- هنا، لا يستطيع هؤلاء تفسير موقف الانبياء والمصلحين الكبار مثلاً ضد العادات السائدة.
نسبية الأخلاق واطلاقيتها
- النسبية في الأخلاق تعني اختلاف الاخلاق من شخص لآخر ومن زمن لآخر ومن مكان لآخر.- إطلاقية الأخلاق تعني وحدة الأخلاق لكل البشر وفي كل الازمنة والأمكنة. طبعاً، الفيلسوف الأخلاقي يعرف أن البشر يختلفون في عاداتهم وتقاليدهم. ولكنه مع ذلك لا يعتقد بنسبية الأخلاق.
- نقطة هامة جداً: كلمة معيار – Standard يستخدمها النسبي بمعنى واحد. ويستخدمها الإطلاقي بمعنيَين.
- المعيار النسبي: لكل جماعة أخلاقية معيارها أو معاييرها. وهي تختلف عن المعايير الأخرى. وهي قابلة للاختلاف في أزمنة أخرى.
- الإطلاقي عنده معيارين:
1. المعيار النسبي: والإطلاقي لا يعتبره معياراً حقيقياً.
2. المعيار الثابت والمطلق: وهو المعيار الحقيقي الحاكم وراء كل المعايير النسبية المتحركة.
- أشهر حجج النسبيين على الإطلاق هي حجج أنثروبولوجيَّة (ظواهر اجتماعية).
- هذه الحجج والظواهر لا تُضيف شيئاً. وهي في الحقيقة ليست حجج! فالفيسلوف النسبي يفسرها على فُروضه. والفيلسوف الاخلاقي يفسرها أيضاً على فروضه.
- الفيلسوف النسبي يفسر هذه الظواهر والاختلافات الاجتماعية بمعنى أن المعايير الأخلاقية دائماً متباينة ولا يمكن ردها إلى معيار واحد متحد.
- الفيلسوف الإطلاقي يقول أنهُ يؤمن أيضاً بهذا التبايُن والاختلاف في الظواهر، ولكن هذا كله ليس إلا خروجاً وشذوذاً في التطبيق الذي يرتد إلى معايير ثابتة أو معيار مطلق واحد.
- الإطلاقي يفرق بين أمرين:
1. المبدأ. أو المعيار المطلق.
2. قواعد السلوك.
- على سبيل المثال: لنأخذ مبدأ او معيار (العفَّة.) وهو مبدأ ومعيار واحد مطلق. ولكن قواعد سلوكه تختلف وتتباين من شعب لآخر. فالشرقيون يرون أن تغطية الشعر هي رمز العفَّة. بينما يراى الصينيون مثلاً أن تغطية القدمين هي رمز العفَّة. فهذا اختلاف سلوك، لا اختلاف معيار.
- الأمثلة الكثيرة جداً التي يطرحها النسبيون لدعم وجهة نظرهم، في الحقيقة ليس لها ثقل منطقي. فالألف مثال هي كمثال واح (مثال العفَّة). وكلها يتم الرد عليها عن طريق التفريق بين المبدأ وقواعد السلوك. ولكن عند العامة، يكون لمثل هذه الأمثلة الكثيرة تأثير نفسي سيكولوجي فقط!
- ثاني حجة قوية للنسبيين (بعد الحجة الانثروبولوجية) هي سؤالهم للإطلاقيين: ما هو الأساس وراء هذه المبادىء والمعايير الاخلاقية؟ ما هو الأساس الذي يبرر التزامنا بها؟
- الجواب الإطلاقي التقليدي على هذا السؤال هو: الدين. والنسبيون يرفضون هذا الجواب! ويُطالبون بأساس دُنيوي. وطبعاً لا يوجد أساس دنيوي!
- على كل حال، هذه الحجة لو وزنَّاها منطقياً، لاكتشفنا وهاءها الداخلي. فهي تتطلب البرهنة على النفي! وهذا شيء مستحيل منطقياً. لذلك، فإن حجة "لا إله موجود" تتطلب منا اختبار كل شيء في الوجود من اوله إلى آخره بكل دقة وتفصيل! وهذه العملية مستحيلة!
- بناء عليه، عندما يقول النسبيون أن "لا أساس أخلاقي" هم لا يمكنهم برهنة ذلك. لأنهم يطلبون برهنة النفي. الإطلاقي يقول أن هناك أساس أخلاقي. فإن كان حتى الآن لم ينجح في الدلالة عليه، فهذا لا يعني أنه غير موجود.
تعقيب وختام
- الإمكان ينقسم لأقسام:1. الإمكان العملي.
2. الإمكان العلمي الفني (النظري).
3. الإمكان العقلي (وهو أوسع الإمكانات).
- هناك أشياء ممكنة علميا (نظرياً) ولكنها غير ممكنة عمليا.
- الإمكان العقلي محدد ومشروط بقوانين العقل الرئيسة:
1. قانون الهوية.
2. قانون السببية.
3. قانون عدم التناقُض.
- فأي مسألة لا تتناقض مع هذه القوانين العقلية الثلاثة، تبقى في دائرة الممكن عقليا.
- المعجزات والكرامات لا تتناقض مع القوانين العقلية الثلاثة. فهي ممكنة عقليا. هي فقط تتناقض مع معتادات البشر. نحن لا يجب أن نخلط بين المعتادات، والقوانين العقلية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق