تلخيص سلسلة التعريف بمباحث الفلسفة: الدرس 26

 الواقعية والمثالية

سلسلة التعريف بمباحث الفلسفة الدرس السادس والعشرون: الواقعية والمثالية

- طبيعة المعرفة: كيفية العلم بالأشياء. وطبيعة العلاقة بين قوانا المدركة والأشياء المدركة.

- في الإجابة على أسئلة طبيعة المعرفة، هناك مذهبان:
          1. المثالية (الصورية).
          2. الواقعية.

- المثالية: لا ترى حقيقة للأشياء الخارجية ولا تعترف بخارجية الأشياء. وتقُول أن كل هذه الأشياء الخارجية هي مجرد أفكار. فالعالَم الخارجي الذي أمامنا هو أفكارنا. فإذا فنِي المدرك، انتهى المدرك.

- الواقعية: على الضد من المثالية. فهي تسلم بعينية الأشياء (خارجية الأشياء). فالأشياء موجودة سواء أدركناها أم لم نُدركها. والبشر بطبيعتهم واقعيون. فالشيء المادي والواقعي يسبق الشيء الروحي والمثالي.

- قد يُعارض البَعض هذا التعميم، فيقولون بأن الروحي والمثالي يسبق المادي بدليل الفطرة الروحية والدينية. وهو ما يُعرف ب "بُرهان التابعيَّة". وهذه وجهة نظر صحيحة أيضاً.

- العالم والمفكر الألماني ماكس مولر كتب بعد بحث مطول أن البشرية بدأت بالتوحيد ثم تطرق إليها الشك.

 العالم والمفكر الألماني ماكس مولر

- من ناحية علمية، لا بُد للواقعية أن تكون هي الصحيحة. فالعلم كله يسقط بالمثالية!

الواقعية

- الواقعية: لها عدَّة مدارس. أهمها مدرستان:
1. الواقعية الساذجة: وهي عندها ثقة مفرطة بالحس. وقد سميَت بالساذجة لأن الحس يُخطىء باستمرار.
أحد الواقعيين السذَّج، جون ستيوارت ميل، يقول أن العالم قبل إدراكنا لهُ هو نفسه بعد إدراكنا له.

2. الواقعية النقدية: وهي المعتمدة في العلوم الطبيعية. فهي تقول أننا نُدرك العالم، لكن ليس على طريق المطابقة وإنما على طريقة التعديل. فالصورة الحاصلة عن العالم والأشياء في أذهاننا هي صورة معدَّلة عن هذا العالم وهذه الأشياء. فإن قوانا العقلية هي من قامت بتعديلها.
والدليل، أن القدرة البصرية عند البشر تختلف عنها عند القط مثلاً. فالقط يرى صورة معدلة بشكل مختلف عما نراه نحن.

- إن خضرة قلم ما، ليس حقيقة مستقلة بذاتها. ولكن شروطها الخارجية قائِمة هناك، فلا تتغير ولا تتوقَّف علينا.

- شروط إدراك شيء ما:
1. شروط خارجية مستقلة لوحدها بغض النظر عنَّا.
2. شروط داخليَّة تتعلق بجهازنا الإبصاري على سبيل المثال، وبدماغنا وقوانا الإدراكية.

- اندماج هذين الشرطين يمكننا من إدراك صورة معينة للأشياء.

- هناك سؤال شهير يُخدع به كثيرون، وهو: إذا وقعت شجرة في غابة، وهذه الغابة ليس فيها إنسان. فهل يصدُر لها صوت؟

هنا الجواب بنعم، خاطىء. والجواب بِلا أيضاً خاطىء.الجواب الصحيح مركب. فقبل أن تُجيب، عرف الصوت. ماهو الصوت؟الصوت مثل اللون، لا يوجد هناك شيء مستقل في الخارج اسمه الصوت! هناك فقط جزء من شروط إدراك الصوت موجودة في الخارج (شروط خارجية) والأجزاء الأخرى تختص بي أنا كإنسان (شروط داخلية).إذن، شروط الصوت الخارجية إن هي اكتملت بفعل سقوط الشجرة وارتطامها بالأرض، فهي لا يُمكن أن تُصبح صوتاً من دون جهاز الإنسان السمعي والإدراكي (الشروط الداخلية).فالصوت هو: سقوط الشجرة + جهاز الإنسان السمعي والإدراكي.

 المثالية

- حين تحدَّث كانط عن المثاليَّة، تحدَّث عن أفلاطون. ولكن بذكائِه أعطى مثالية أفلاطون قدرها بالضبط. لأن مثالية أفلاطون ليست مثالية كما نعتقد! إن أفلاطون في التطبيق ليس فيلسوفاً مثالياً بقدر ما هو فيلسوف واقعي مسرف في الواقعية!

- أفلاطون لم يُنكر أبداً العالم الموضوعي (الحسي). وهو زاد على ذلك وأسرف في الاعتراف بموضوعية الأشياء إلى الاعتراف حتى بموضوعيَّة الأفكار الكليَّة.

- أفلاطون يرى أنَّهُ في العالم المثالي هناك الأفكار الكليَّة متجسدة حقيقةً وواقعاً. وما نحن إلا مجموعة صور مشوهة عنها.

- الرد على فلسفة أفلاطون الواقعية (واقعية الأفكار الكلية) هو سؤال واحد فقط: هل يوجد في عالم المثُل تجسيد لأفكار كليَّة مثل: المستحيل والعَدَم؟ الجواب سيكون: لا. إذاُ، واقعية الأفكار الكليَّة هي فكرة مغلوطة.

- جورج بيركلي: به بدأت المثالية الحديثة.


- مثالية بيركلي تتلخص بمقولتِه:"أن يوجد، معناهُ أن يُدرك – To be, is to be perceived

- بيركلي لا يُحول الأشياء الخارجية إلى معاني في الذهن. بل العكس! هو يحول المعاني إلى أشياء. فما ليس موجوداً في الذهن ليس لهُ وجود.

- تصدَّى لبيركلي، الأديب وأول معجمي إنجليزي صامويل جونسون. فقال لهُ: اضرب الحجر حتى تعلم أن العالم الخارجي موجود!


- طبعاً، للإنصاف، فلسفة بيركلي ليست بهذا السخف. وردّ جونسون فيه ظلم له.

- الفلاسفة ناقشوا بيركلي في البداية. ومن ضمن أسئلتهم: إذا كنت ترى أنَّهُ "أن يوجد معناه أن يُدرك" فإذاً كيف نحن نتلقى أحساسات من حولنا باستمرار؟ نسمع أشياء ونرى أشياء لا إرادة لنا في إيجادها؟

وكان جواب بيركلي أن الأمر سهل. كل هذه الإحساسات يخلقها الله في الذهن ولا تحكم لنا فيها. الله يريد .. انتهى.

ديفيد هيوم ردَّ عليه فقال، حسناً، كيف وجدت فكرة الله نفسها؟ هل خلق الله نفسه في ذهنك؟

جورج بيركلي

- يقول فيشتِه، تلميذ كانط: أن العالم هو مجموعة قوانين ودساتير. هو ليس عالماً خارجياً موضوعياً، إنها قوانين فكري أنا. وكل تشويش في إدراك العالَم هو تشويش في أفكاري أنا.

- كانط، هو بطل المثالية النقدية (المتعالية).

- العقل المحض: هو العقل السابق على التجربة. فأحكام هذا العقل سابقة على التجربة وليست مستمدة منها. وهي ضرورية لفهم كل تجربة وبدونها لا تعني التجربة شيئاً.

- التصور: هو إدراك الأشياء مفردة.

- التصديق: هو إدراك الأشياء بشكل قضايا.

مثلاً: مصطلحات مثل: السخونة، والماء هي تصورات. أما جملة: الماء ساخن هي تصديق.

- في كتابه نقد العقل المحض، قال كانط أن النقد هو تمييز ما هو حكم قبلي سابق على التجربة وما هو مستمد ومأخوذ من التجربة. فمن يستطيع التمييز بين هذا وذاك هو فيلسوف نقدي.

- شوبنهاور قال أن ميزة كانط هي أنَّهُ ميَّز بين الشيء في ذاته وبين الشيء في إدراكنا.

- كانط اعتقد بالوجود الخارجي الحقيقي للأشياء وأنها مستقلة عن إدراكنا ونحن نُدركها، ولا ندركها إلا على النحو الذي نُدركها عليه. ولكن كيف هي قبل إدراكنا لها؟ لا نستطيع أن نعرف. يعني، لا أحد يعرف الأشياء على حقيقتها إلا الله.

- عبارة لطيفة: إذا اجتمع اثنان، فكم يتحصل منهما؟ الجواب، يتحصل منهما على الأقل ستّة!
          1. الأول في ذاته
          2. الثاني في ذاته
          3. الاول كما يرى نفسه
          4. الثاني كما يرى نفسه
          5. الأول كما يراه صاحبه

          6. الثاني كما يراه صاحبه

- كانط قال أن المعرفة تبدأ بالتجربة ولكنها لا تنشأ عنها. فهو هنا ضدّ هيوم بتجربته المحضة.

- رؤية كانط هي أن التجارب مجرد مدخلات حسيَّة لا تعني شيئاً. ولكنها تدخل العقل الذي يحتوي على أحكام سابقة تحكم هذه المدخلات. وتتقولب هذه المدخلات في قالبين مهمين:
           1. قالب الزمان

           2. قالب المكان

- عند كانط، الزمان والمكان ليست أشياء قابلة للإدراك، كما اعتقد الفلاسفة الميتافيزيقيون على مر العصور، بل هما وسيلتان لإدراك الحسيات. وإذا تعاملنا معهما على أنهما شيئان قابلان للإدراك فإننا سنقع بالتناقض.

هذا يعني أن كانط يعتبر المكان والزمان شيئان داخليان (عقليان) وقالبان لإدراك الحسيات وإعطائها معنى. وليسا خارجيان خاضعان للإدراك. هما ليسا قضايا، بل وسائل إدراك.
بمعنى أن السؤال الشهير: "هل الكون محدود أم غير محدود؟" هو بنظر كانط سؤال غبي لا معنى له! لانهُ سؤال يُعامل المكان كشيء أو كموضوع قابل للإدراك! لذلك، سوف نقع بالتناقض عند إجابتنا عليه. فإن نحن قُلنا بأن الكون محدود، ناقَضنا العقل! لأنه لا بد من أن يبحث العقل عن شيء وراء هذه الحدود!

وإن نحن قُلنا بأن الكون غير محدود، فإن العقل سيُناقِضنا أيضاً! لأنه لا بد أن يكون للكون حدّ!
وكذلك الزمان. فحين نسأل: هل للزمان بداية؟ إذا قُلنا نعم لهُ بداية، فإن العقل يُناقِضنا ويسألنا ماذا قبل البداية! وإذا قُلنا لا بداية للزمان، فسوف يناقضنا العقل أيضاً! فلا بد لكل شيء من بداية.

- كانط رأى أيضاً أنه لا يُمكن إثبات وجود الله عن طريق العقل. لأن مفهوم العليَّة (السبب والمسبب) هو قالب ذهني مثل الزمان والمكان! وليس شيئاً خارجياً يُمكن أن يُدرك. فالبحث عن العلَّة لانهائي، وافتراض وجود علة نهائيّة غير منطقي!

- أفضل من ردَّ على كانط هم الفلاسفة الإسلاميون، والفلسفة الإسلامية. فالحقيقة أن كانط أخطأ في تقييم بعض المفاهيم الفلسفية، وظنَّها من قبيل المفاهيم المنطقية.
( ظن كانط أن المعقولات الثانية الفلسفية هي معقولات ثانية منطقيَّة).

- كانط يرى أن قضيَّة وجود الله (الغيب) لا يمكن البرهنة عليها عن طريق العقل المحض، بل هي قضايا نُسلّم فيها بالعقل الأخلاقي.

- يقصد كانط ان العقل النظري مفطور فقط، ضمن أحكامه السابقة المتعالية، على التجربة لإدراك وتنسيق مدخلات الحس. وليس لإدراك الأشياء في ذاتها.

- كانط رأى أنه بفلسفته أنقذ الدين. ولكن رجال الدين رؤوا أنه ضرب الدين ضربة قاضية! لدرجة أنهم أصبحوا يُطلقون اسمهُ (إيمانيويل) على كلابِهم في ألمانيا!

- الشاعر الألماني الكبير هاينرش هاينِه كتب يقول ان المقارنة صعبة بين كانط نحيف الجسم الهزيل، وبين روبسبير السفاح. فإن روبسبير قتل بضعة آلاف من الفرنسيين وملكاً واحدا ولكن كانط قتَل الله.

- الصوفيون والوجوديون يُحبٌّون كانط ويقبلون فلسفته.


- القديس أوغستين يقول: "أنا أؤمن لأنني لا أفهم". فحين أفهم وأقتنع، ينتفي الإيمان.
شاركه على جوجل بلس

Grini

الموقع لا علاقة له بالدكتور عدنان إبراهيم وهو مجهود شخصي لجمع علم وفكر الدكتور ومن نهج نهجه في مكان واحد. وكل ما ينشر على الموقع لا يعبر بالظرورة على فكر القائمين عليه. لذا وجب التنبية
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق